تمتلئ صفحات العرب بالأبطال المثابرين الذين ضحو من أجل أوطانهم وحاولوا الدفاع عنها بشتى الطرق، فكل دولة تحمل رمزًا خاصًا
بها قد أشعل في داخل وطنه روحًا وذكرى لا تنطفئ ابدًا مهما حاول المخربون واجتهد المدلسون، من ضمن هذه الصفحات العريقة يوجد لدينا بطل كويتي خالص وقف أمام الغزو العراقي المفاجئ بقيادة صدام حسين من أجل وطنه ولم يخف من العدو وبسالته ومداهمته، كان هذا البطل مواطن بسيط لم يذكره التاريخ بشكل كبير لكن جزاء فعله ظل محفورًا داخل عقول شعب الكويت أبد الدهر، إننا نتحدث في مقالنا هذا، عن البطل القدير عبد الجبار معرفي، الذي توفى في الثامن من نوفمبر 2022 الذي دافع عن بلاده من خلال اللاسلكينشأته وحبه للاسلكي
هو السيد
عبدالجبار منصور محمد زمان معرفي ولد عام 1938 في حي الوسط بالكويت حيث تربى من صغره على
حب وطنه، كان أخوته دائمًا ما يتواصلون بين سكان المدن المجاورة من خلال استخدام
جهاز اللاسلكي، حيث لم يكن هناك وفرة كبيرة للهواتف وأمثالها من المُعدات، فنظرًا
للبيئة المحيطة الخاصة ببطلنا، وعمله في الشركة الخاصة للسلكي واللاسلكي اصبح يهتم
وبدأ يستعمل جهاز اللاسلكي حتى يتمكن من التواصل وأجهزة كثيرة مثلها تستعمل في
الصور، كما أن بطلنا تعلم من خلال الطباعة على أمر من مديره الاجنبي، فبدء تعلم
الطباعة واهتم بها جيدًا، حتى تعلم من خلالها ما يعرف بشفرة موريس (Mores
Code)
ومع زيادة اهتمام بطلنا هذا تم إعطائه من قبل السلطات المُختصة في الكويت رمز نداء
خاص به يدعى (9K2DZ)، فهذا الرمز
خاص به يتم استعماله وقت وقوع المصائب والأزمات فقط، وبهذا برع بطلنا بشكل عام في استخدام اللاسلكي ونقل المعلومات ورصدها
ومتابعتها وتعلم أصعب لغات التشفير والإشارة التي لم تمكن بالأمر الهين والسهل على
الفرد أن يتعلمه في ظل الفترة التي تمر بها دولة الكويت في هذا الوقت، فقد واجه
بطلنا عبد الجبار الكثير حتى يتمكن من تعلم هذه اللغة، ومن المعروف أن تعلم اللغات
يزداد صعوبة مع التقدم في العمر، لكن استطاع بطلنا بكل أرياحية تعلم الشفرات
والأدوات اللازمة، حتى تمكن من طباعة أكثر من 15 كلمة من شفرة موريس على الحاسوب
خاصته.
9K2DZ QSL Card
دوره في حرب
الخليج وإنقاذه لوطنه العظيم
كان السيد عبد الجبار يتميز بالدهاء
والفكر السليم حيث قام بتخبئة الجهاز حتى لا يقع في أيدي العراقيين وحتى لا يتلف
بسبب الظروف المناخية المتغيرة من حين للآخر، قام بطلنا بتخبئة الجهاز بين حقول
الماشية، فعندما كانت الدبابات العراقية، تجول وتتحرك في الأراضي الكويتية من أجل
غزوها في اوائل التسعينات، كانت تستهدف أنظمة التواصل في البلاد حتى تحجب أي نوع
من إيصال المعلومات داخل الدولة مما سيسهل عليها هذه العملية، لكن لم يكن الجميع
غائبًا ونائمًا، فيقول بطلنا عبد الجبار أنه لولا ما حدث ولولا وجود اللاسلكي في
هذا المكان، فلم ولن يعرف أي شخص ما الذي يحدث داخل الكويت، ومن خلال استعمال
اللاسلكي أصبح لدى الجميع على الأقل القدرة على الاطمئنان ومعرفة حال أهله وما
الذي يحدث لهم، حيث وصف بطلنا مدى قلقه على أهله وعائلته قائلًا:- “لقد كنت مع أسرتي خائفين جدًا، كانوا
بالفعل خائفين وكانت الأمور خطرة، خطرة للجميع، لهم ولأطفالي ولإبني ولزوجتي
وللجميع“
لكن بطلنا القومي ظل مستميتًا وصلبًا أمام كل هذه
الضغوطات سواء النفسية من توغل الجيش العراقي إلى أرض الوطن أو حتى من قلقه الشديد
على أفراد أهله وأسرته.
لقد كانت مهمة بطلنا هي
تدفئة وإثلاج قلوب الكويتيين، حيث كان يقوم بالتواصل مع الأهالي الكويتيين الذي
يتواصلون معه اولًا
ثم يقوم بالتأكد أن
الطرفان بخير، لكن اقتحم عليه العراقيون مكانه وحاولوا مصادرة منه كل أجهزة
اللاسلكي الموجودة معه، لكن بطلنا القومي كان ذهنه حاضرًا واتسم بالذكاء والدهاء،
فقد قام بإعطاء القوات العراقية أجهزة لاسلكي قديمة لم يكن يستعملها ولا يفعل بها
أي شيء،
وإضافة على كل هذا أمرهم أيضًا أن يقوموا بإزالة
الأبراج الهوائية الموجودة على سطح منزله كا نوع من الخديعة أنه لا يهتم لوجودها
من الأساس، فكان الرد عليه أنهم لن يفعلوا هذا لعدم الحاجة، كما أنهم تخلصوا من
الأجهزة الهامة فقط فلن يكون هناك حاجة لمثل هذا الفعل، وبالتالي هذا سوف يحجب
قدوم الولايات المتحدة إلى المكان الذين هم موجودين فيه الآن، حتى يقوموا هم
بإرسال رسالة خوف وتهديد لبطلنا القومي، لكنه كان قد سبقهم بخطوة بالفعل وقام بمخبئة
هذه الاجهزة وقام بإخداعهم
حيث أن الأجهزة التي يملكها بطلنا ويستخدمها
متطورة بالفعل، حيث أنها لا تحتاج حتى لأبراج هوائية، بل أن الكومبيوتر الخاص بها
مرتبطة معها، مما يجعل عملية الإرسال مرتبطة بالجهاز نفسه دون الحاجة إلى أي
أبراج.
مع كل هذه الأحداث
الضخمة التي حدثت، لم يكن دور بطلنا القومي قائمًا على إرسال الرسائل بين الكويتيين
من أجل إراحتهم وطمأنتهم فقط، بل كان يقوم بنقل الأخبار للسفارات الكويتية
الموجودة للخارج بالتعاون مع ابن عمه السيد عبد العظيم، حيث كان ينقل لهم الأحداث
اليومية الشنيعة من قتل وسرقة وخطف ونهب تحدث من جانب العراق وجيشها الغازي
للبلاد، ومع زيادة الرسائل والبرقيات، قرر المسؤولون في السفارات الموجودة في
الخارج أن يتم تخصيص ساعة يومية بشكل دوري في صندوق البريد الإلكتروني من أجل يتم
فيها الرد على الناس والأهالي، لكن الأمر لم يكن مقتصرًا فقط على الجانب الكويتي
وسفاراتها وأهاليها فحسب، فقد كان لبطلنا دور هام وضخم للغاية في الاتصال بحاملة
الطائرات الشهيرة N5DSD ، حيث أنه بالتعاون مع ابن عمه
كذلك كان يقوم بنقل المعلومات لها التي كان يُمليها عليه ابن عمه، فكان هناك من
يستقبلون رسالاته التي تحمل معاني القسوة والوحشية من جانب الجيش العراقي، طالبًا
منهم الخلاص من ثنايا الاحتلال الخبيثة.
الخاتمة
لقد كان السيد عبد
الجبار معرفي أحد رموز النضال أمام الغزو العراقي هذه الحرب، فقد استغل إمكانياته
وتاريخه في استعمال اللاسلكي، بجانب دهائه ودهائه في خداع الجنود العراقيين، وحاول
نشر رسالته والتوضيع للعالم ما الذي يحدث على أرض بلده من فساد وتدمير واستغلال
لحقوق شعبه وأرضه، فلم ينسى هذا البطل قط ما حدث لشعبه ولم ينسهم أيضًا ورفع وعي
العالم تجاه قضيته، فافي هذا العام فقدنا هذه الشخصية العظيمة، التي لم يذكرها
الكثير بالشكر والثناء والتقدير لمجهوداته العظيمة من أجل الدفاع عن وطنه عن طريق
استخدام الرسائل البعيدة واللاسلكي، فهذا هو الطريق الأول نحو الخلاص، فا ها نحن
ذا نتغنى بإنجازه العظيم تجاه وطنه ونعطيه حقه وقدره من الشكر والاحترام صنيع
مجهوداته.
0 Comments